الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح الشام (نسخة منقحة)
.المعركة: فقال عمرو معاشر العرب من يخرج إليه ويهب نفسه لله عز وجل فخرج إليه رجل من العرب وهو يقول أنا أكون ذلك فقال عمرو بارك الله فيما تريد وحمل صاحب المسلمين عندما خرج مصمما واستقبله البطريق وجعلا يتجاولان ساعة وهما يتعانقان بالسيوف إلى أن خرجت لهما ضربتان فسبقه البطريق بالضربة فاخذها الرجل بالدرقة فقدها نصفين وكانت جلد بعير بطانة واحدة فلم يصل إليه من الضربة شيء وضربه الرجل ضربة في أثرها فقطعت البيضة وسلكها فتقهقر البطريق إلى ورائه ولم يصل إليه أذى فلما رجعت إليه روحه حمل على المسلم وضربه فجرحه جرحا فاحشا فألوى إلى اصحابه فصاح به رجل من العرب من وهب نفسه لا يرجع من بين يدي عدوه فقال الرجل أما كفاك هذه الضربة حتى توبخني أن الله ليلومني بأن ألقي بيدي إلى التهلكة ثم شد جراحه وعظم عليه ما قال ابن عمه فلما خرج قال له ابن عمه الذي خاطبه: ارجع فخذ هذه البيضة واجعلها على رأسك فقال ثقتي بالله أعظم من حديدك ثم دلق نحو البطريق وهو يقول: قال فدعا له المسلمون بالنصر وقالوا: اللهم أعطه ما تمنى وحمل على البطريق وضربه ضربة هائلة فوقعت على عاتقه وخرجت من علائقه ثم حمل في جيش الروم فقتل رجلا وجندل أبطالا ولم يزل كذلك حتى قتل رحمه الله تعالى فقال عمرو هذا رجل اشترى الجنة من الله بنفسه اللهم أعطه ما تمنى. .البطريق قيدمون: فقال لها أخوها إنما أذهب لأقاتل لمرضاة الله عز وجل وقد سمعت معاذ بن جبل يقول أن الشهداء عند ربهم يرزقون فقالت له أخته: كيف يرزقون وهم أموات قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أن الله تعالى يجعل ارواحهم في حواصل طيور الجنة فتأكل تلك الطيور من ثمار الجنة وتشرب من أنهارها فتغدوا أرواحهم في حواصل تلك الطيور فهو الرزق الذي جعله الله لهم» فلما كان قتال قيسارية خرج ذلك الغلام إلى القتال بعد أن ودع أمه وأخته وداع الموت وقال لهم: نجتمع على حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج وبيده قناة وهي موصولة كثيرة العقد وتحته جواد هجين. فلما خرج الغلام حمل على البطريق من ساعته وطعنه بسنانه قال فاشتبك السنان في درع البطريق فلم يقدر على انتزاعه فضرب البطريق قنا الغلام بسيفه فقطعها وحمل على الغلام وضربه على هامته فشطرها فوقع الغلام ميتا رحمه الله وجال قيدمون على مصرعه ثم طلب البراز فخرج إليه ابن قثم فقتله البطريق فلما نظر إلى ذلك شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه اقبل يعاتب نفسه ويقول تتفرجين على قتل المسلمين ثم خرج والراية بيده التي عقدها له ابو بكر رضي الله عنه يوم خروجه إلى الشام فلما رآه عمرو قد عول على الخروج قال: يا عبد الله اركز الراية لئلا تشغلك فركزها شرحبيل فوقفت كالنخلة وغاصت في حجر كأنها منه فتفاءل بالنصر وخرج إلى لقاء قيدمون والمسلمون يدعون له بالنصر على عدوه فلما رآه البطريق ضحك من زيه وكان للملعون صوت عال وهو ضخم من الرجال وكان شرحبيل نحيف الجسم من كثرة الصيام والقيام بالليل والبطريق في ميدانه فحمل كل واحد منهما على صاحبه واختلفا بضربتين وكان السابق شرحبيل فلم يعمل السيف في لامة البطريق شيئا وثبت السيف في بيضته وحمل قيدمون على شرحبيل فشجه ثم تجاولا على الجوادين قال سعيد بن روح وكان ذلك اليوم كثير البرد والسحاب فبينما هما في المعركة إذ نزل المطر كافواه القرب قال فنزلا عن الجوادين وجالا يتصارعان في وسط الطين وذلك أن قيدمون حمل على شرحبيل فضرب يده في مراق بطنه فاقتلعه من الأرض ورمى به على ظهره ثم استوى على صدره وهم أن ينحره فنادى شرحبيل يا غيات المستغيثين فما استتم كلامه حتى خرج إليه فارس من الروم وعليه لامة مذهبة ومن تحته جواد من عتاق الخيل فقصد موضع البطريق وشرحبيل فظن قيدمون أنه إنما خرج ليعطيه جواده ويعينه فلما قرب منهما ترجل وأمال البطريق برجليه عن صدر شرحبيل وقال: يا عبد الله قد أتاك الغوث من غيات المستغيثين فوثب شرحبيل قائما ينظر إليه متعجبا من قوله وفعله وكان الفارس متلثما ثم جرد سيفه وضرب البطريق ضربة قطع رأسه وقال: يا عبد الله خذ سلبه فقال شرحبيل والله ما رأيت أعجب من أمرك وإني رايتك جئت من عسكر الروم فقال أنا الشقي المبعد أنا طلحة ابن خويلد الذي ادعى النبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب على الله وزعم أن الوحي كان ينزل عليه من السماء فقلت له يا أخي: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] وقد وسعت رحمته كل شيء ومن تاب وأقلع وأناب قبل الله توبته وغفر له ما كان منه والنبي صلى الله عليه وسلم يقول التوبة تمحو ما قبلها أما علمت يا ابن خويلد أن الله سبحانه وتعالى لما انزل على نبيه: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] طمع فيها كل شيء حتى ابليس فلما نزل قوله تعالى: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [الأعراف: 156] قالت اليهود نحن نؤتى الزكاة ونتصدق فلما نزل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 156] قالت اليهود نحن مؤمنون بما أنزل الله في الصحف والتوراة فأراد الله أن يعلمهم أنها خاصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} [الأعراف: 157] فقال طلحة بن خويلد مالي وجه أرجع إلى الإسلام وهم أن يسير على وجهه فمنعه شرحبيل و قال له: يا طلحة لست أدعك تمضى بل ترجع معي إلى العسكر قال: ما يمنعني من المسير معك إلا الفظ الغليظ خالد بن الوليد وإني أخاف أن يقتلني فقلت يا أخي انه ليس معنا وهذا الجيش لعمرو بن العاص قال فرجع معي فلما قربنا من المسلمين تبادروا الينا وقالوا: يا شرحبيل من هذا الرجل معك فلقد صنع معك جميلا قال: ولم يعرفوه لانه كان متلثما بفضل عمامته فقلت هذا طلحة بن خويلد الذي ادعى النبوة فقالوا: او تاب ورجع إلى الله فقال أنا تائب إلى الله سبحانه وتعالى قال شرحبيل فاتيت به إلى عمرو بن العاص فسلم عليه وبش في وجهه ورحب به. قال: حدثنا حسان بن عمر لربعي عن جده أن طلحة بن خويلد لما ادعى النبوة وجرى له ما جرى من الحرب مع خالد بن الوليد رضي الله عنه وسمع أن خالدا قتل مسيلمة الكذاب وقتل الاسود العنسي ايضا لانه قال انه نبي فخاف طلحة على نفسه من خالد فهرب بالليل ومعه زوجته للشام واستجار برجل من آل كلب فأجاره الكلبي وأنزله في داره وكان الكلبي مؤمنا وبقي عنده مدة أيام إلى أن استخبره عن حاله فحدثه طلحة بجميع أحواله مع خالد بن الوليد ووقائعه معه وكيف ادعى النبوة فغضب الكلبي لكلامه وطرده من جواره فأقام طلحة بالشام وقد تاب من أمره فلما بلغه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قد قبض قال ذهب من جردت السيف في وجهه فمن ولي بعده قالوا: عمر بن الخطاب قال الفظ الغليظ وهاب أن يمضي إليه وفزع من خالد بن الوليد أن يراه بالشام فيقتله فقصد قيسارية ليركب في المراكب ويطرح نفسه في بعض جزائر البحر فلما نظر إلى جيش فلسطين قد خرج إلى قتال العرب قال أسير مع هذا الجيش فلعلي انكب نكبة واغسل بها شيئا من أوزاري وتكون لي قربة إلى الله تعالى والى المسلمين فلما نظر شرحبيل في عين الهلكة قال: لا صبر لي عنه فخرج واستنقذه كما ذكرناه فلما وقف بين يدي عمرو بن العاص شكره وبشره بقبول التوبة فقال: يا عمرو إني أخاف من خالد بن الوليد أن يراني بالشام فيقتلني فقال عمرو فإني أشير اليك بشيء تصنعه وتأمن به على نفسك في الدنيا والآخرة قال: وما هو؟ قال أكتب معك كتابا بما صنعت وشهادة المسلمين فيه وتنطلق به إلى عمر ابن الخطاب وتدفعه إليه وأظهر التوبة فإنه يقبلها وسيندبك إلى الفتوح وقتال الروم فتمحو عنك ما سلف من خطاياك فأجابه طلحة إلى ذلك فكتب له عمرو كتابا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بما صنع وأخذ. طلحة ومشى به إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجد عمر في المدينة وقيل له: هو بمكة فمضى حتى وردها فوجد عمر متعلقا بأستار الكعبة فتعلق معه وقال: يا أمير المؤمنين اتي تائب إلى الله عز وجل وحق رب هذا البيت مما كان مني قال عمر من أنت قال أنا طلحة ابن خويلد قال فنفر عمر عنه وقال: يا ويلك أن أنا عفوت عنك فكيف الأمر غدا بين يدي الله عز وجل بدم بن محصن الاسدي قال طلحة يا أمير المؤمنين عكاشة رجل اسعده الله على يدي وشقيت أنا بسببه وارجو أن يغفر الله لي بما عملته قال عمر وما عملت فأخرج له كتاب عمرو بن العاص فلما قرأه عمر وفهم ما فيه فرح به وقال أبشر فإن الله غفور رحيم وأمره عمر أن يقيم بمكة حتى يرجع إلى المدينة فأقام معه أياما فلما رجع عمر إلى المدينة وجه به إلى قتال أهل فارس. قال الواقدي: رجعنا إلى الحديث قال لما قتل البطريق قيدمون على يد طلحة ونجا شرحبيل مما كان قد لحقه ورجع إلى عمرو وكان المطر شديدا فقطع الناس القتال ولحق الناس الاذى لأن أكثرهم بلا أخبية ولا بيوت والتجئوا إلى الجابية وتستروا بدورها وكان من رحمة الله بالمسلمين أن وقع في قلب فلسطين الفزع والرعب لما قتل قيدمون البطريق وكان ركنه ودعامته فشاور أصحابه في الرجوع إلى قيسارية وقال: يا معاشر الروم أنتم تعلمون أن جيوش اليرموك ما ثبتت لهؤلاء العرب وإن أبى قد ولى إلى القسطنطينية من خوفهم وقد ملكوا الشام جميعه وما بقي غير هذا الساحل وإني أخاف أن ندهي من قبلهم ويملكوا قيسارية والرحيل أوفق من المقام ههنا فأجابوه إلى ذلك فلما كان الليل ارتحل القوم والمطر ينزل قال سعيد بن جابر الاوسى وكان ذلك كله رحمة للمسلمين من الله عز وجل قال فلما كان في اليوم الرابع ارتفع المطر وطلعت الشمس فخرجنا من الجابية نطلب قتال الروم فلم نر لهم أثرا فوالله لقد فرحنا بطلوع الشمس أكثر من فرحنا برحيل الروم فكتب عمرو بذلك إلى أبي عبيدة كتابا يقول فيه بسم الله الرحمن الرحيم من عمرو بن العاص السهمي إلى أمير جيوش المسلمين أبي عبيدة عامر بن الجراح سلام عليك ورحمة الله وبركاته أما بعد فيا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فلسطين بن هرقل قد أخرج إلى لقائنا ثمانين ألفا من الروم وكان لقاؤنا معهم على موضع ي قال له: نخل وأخذ شرحبيل ابن حسنة وكان الذي ملك اسره قيدمون ابن خالة هرقل ثم خلصه الله على يد طلحة بن خويلد الاسدي وقتل قيدمون ابن خاله هرقل ثم وجهته بكتاب إلى عمر بن الخطاب وقد انهزم عدو الله فلسطين وأنا منتظر جوابك والسلام عليك وعلى من معك من المسلمين ورحمة الله وبركاته وبعث الكتاب مع جابر بن سعيد الحضرمي فلما قرأ ابو عبيدة الكتاب فرح بسلامة المسلمين وسير الجواب وقال إذا قرأت كتابي فانزل على قيسارية وأنا في اثر الكتاب معول على السير إلى صور وعكاء وطرابلس والسلام ثم سلم الكتاب إلى جابر بن سعيد وأمره بالرجوع.
|